المملكة العربية السعودية
وزارة التعليم العالي
الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة
(036 )
كلية الدعوة وأصول الدين
مرحلة الماجستيرـ صباحي
عنوان البحث :- التربية الاخلاقية المستفادة من سورة الحجرات
إعداد الطالب:- عمرآن محمود سليمان
تحت اشراف:فضيلة الدكتور:- عيد الجهني
العام الجامعي :1435- 1436هـــ
المقدمة
فإن سورة الحجرات من السور المدنية
التي كثر فيها خطاب المؤمنين ، فقد جاء فيها الخطاب بقوله " يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُواْ " خمس مرات ، مقابل مرة واحدة جاء الخطاب فيها بقوله :
" يَا أَيُّهَا النَّاسُ " ليبين وحدة الأصل للناس جميعاً مؤمنهم
وكافرهم مهما اختلفت ألوانهم ولغاتهم ، كلهم من أب واحد وأم واحدة ، لا فرق بين
عربي وأعجمي ، أو بين أبيض وأسود إلا بالتقوى التي جعلها الله الميزان الحقيقي
للناس يوم القيامة.
1-
1- همية الدراسة
فالسورة تعالج العادات والتقاليد والأعراف السيئة التي نشأت عليها
الجاهلية من غلظة وفظاظة وإشاعة وصراعات وسخرية وسوء ظن وتجسس وغيبة وتفاخر وتضاهر
وتخاذل ومَنٍّ وأذى ، كل ذلك كان موجوداً في الجاهلية فنزلت سورة الحجرات لتقضي
على أخلاقيات الجاهلية وتُحل محلها أخلاقيات هذا الدّين الجديد.
2- منهج الدراسة
ساستخدم منهج التفسير الموضوعي لسورة قرآنية ، وذلك بالحديث حول
السورة نزولاً وتسمية وأسباب نزول ... ثم تقسيم السورة إلى فصول حسب قضايا السورة
مع الربط بين هذه الفصول من جهة ثم بينها وبين موضوع السورة ومحورها من جهة أخرى
3-
هدف الدراسة
هو استنباط الحقائق والهدايات والعبر والعظات الأخلاقية القرآنية ،
وربط ذلك بواقع حياتنا المعاصرة ، لنرى دورها في التربية والبناء للجيل المؤمن
4- الدراسات السابقة في موضوع الدراسة
لا شك أن كتب التفسير التحليلي قد تناولت سورة الحجرات بلا استثناء
5-
التمهيد : وفيه تقديم للسورة حول اسمها ، وزمن نزولها ،
وأسباب نزولها ، وفضلها ، ثم تحديد لمفهوم التربية الأخلاقية.
ويشتمل على خمسة أمور وهي :-
أولاً : اسم السورة
سميت
سورة الحجرات ، لقوله تعالى فيها : " إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَاء
الْحُجُرَاتِ ... " ، يقول القاسمي :
" وسميت بها لدلاله آيتها على سلب إنسانية من لا يعظم رسول الله غاية التعظيم
، ولا يحترمه غاية الاحترام ، وهو من أعظم مقاصد القرآن" ، وهذا فهم دقيق وتعليل شفاف من القاسمي ،
وكأنه يقول : إن مَنْ يعاملون رسول الله (r) بهذه الغلظة والجفاء فقد تحجرت عقولهم وقلوبهم
، فهي كالحجرات المغلقة المحجورة على مَنْ فيها ، أو هي كالحجارة التي تبنى منها
الحجرات ، مصداقاً لقوله تعالى : " ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ
ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً ...
ومن كان هذا حاله فقد سُلب إنسانيته ، ويصبح ذلك سمة عامة لكل مَنْ
لم يتخلق بأخلاق السورة كاملة ، وبهذا يظهر لنا وجه تسمية السورة بهذا الاسم.
ثالثاً : أسباب نزولها
لقد
ذكرت عدة روايات في سبب نزول السورة ، موزعة على آياتها ، منها ما هو نص صريح في
السببية ، ومنها ما هو محتمل للسببية وغيرها مما يدخل في معنى الآية من وقائع
وحوادث.
والحديث عن هذه الأسباب يطول هنا ،
فالأولى أن يذكر كل سبب مع آيته في مقطعها ، ليسهم ذلك في وضوح معنى الآية
وتفسيرها.
رابعاً : فضل السورة
هذه الصورة محكمة ، ليس فيها ناسخ ولا
منسوخ ، آياتها ثمان عشرة ، وكلماتها ثلاثمائة وثلاث وأربعون ، وحروفها ألف
وأربعمائة وأربع وسبعون حرفاً (7). يقول القاسمي : " وقد انفردت هذه السورة
بآداب جليلة ، أدب الله بها عباده المؤمنين فيما يعاملون به نبيه
خامسا:- مفهوم التربية الأخلاقية
هي مجموعة الآداب والقيم والمبادئ السامية التي يعتقدها الإنسان ،
ويتربى عليها ، ويمارسها مع ذاته ومع الآخرين حتى تصبح سمة لصاحبها ، يتسامى بها
إلى الأعالي" .
الفصل الأول : الأدب مع الله ومع رسوله وفيها وقفتان.
الوقفة الاولى:- الأدب مع الله جل جلاله؛ يقول الله
تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا
تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ
سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الحجرات: 1]. والأدب مع الله يتضمن وصفه تعالى بصفات
الكمال، وإخلاص العبادة له وحده لا شريك له، والتسليم لحكمه، والرضاء بقدره،
والخضوع له، وامتثال أوامره، واجتناب نواهيه، ومراقبته والتوكل عليه، ومحبته،
والخوف منه، ورجائه، وشكره، والولاء له، والبراء من أعدائه، وما إلى ذلك مما يجب
لله.
قال ابن سعدي: "هذا متضمن للأدب
مع الله تعالى، ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتعظيم له، واحترامه،
وإكرامه، فأمر الله عباده المؤمنين، بما يقتضيه الإيمان، بالله وبرسوله، من امتثال
أوامر الله، واجتناب نواهيه، وأن يكونوا ماشين خلف أوامر الله، متبعين لسنة رسول
الله صلى الله عليه وسلم، في جميع أمورهم، وأن لا يتقدموا بين يدي الله ورسوله،
ولا يقولوا حتى يقول، ولا يأمروا حتى يأمر، فإن هذا حقيقة الأدب الواجب مع الله
ورسوله، وهو عنوان سعادة العبد وفلاحه، وبفواته، تفوته السعادة الأبدية، والنعيم
السرمدي، وفي هذا النهي الشديد عن تقديم قول غير الرسول صلى الله عليه وسلم على
قوله، فإنه متى استبانت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجب اتباعها، وتقديمها
على غيرها، كائنا ما كان" ([1])
الوقفة الثانية: الأدب مع الرسول صلى الله عليه
وسلم؛ قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا
تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ}. قال ابن القيم رحمه الله:
"والقول الجامع في معنى الآية: لا تعجلوا بقول ولا فعل قبل أن يقول رسول الله
-صلى الله عليه وسلم- أو يفعل". ([2])
وقال ابن سعدي عند تفسيره لهذه الآية:
"وهذا أدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، في خطابه، أي: لا يرفع المخاطب
له، صوته معه، فوق صوته، ولا يجهر له بالقول، بل يغض الصوت، ويخاطبه بأدب ولين،
وتعظيم وتكريم، وإجلال وإعظام، ولا يكون الرسول كأحدهم، بل يميزوه في خطابهم، كما
تميز عن غيره، في وجوب حقه على الأمة، ووجوب الإيمان به، والحب الذي لا يتم
الإيمان إلا به، فإن في عدم القيام بذلك، محذورًا، وخشية أن يحبط عمل العبد وهو لا
يشعر، كما أن الأدب معه، من أسباب حصول الثواب وقبول الأعمال. ثم مدح من غض صوته
عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، بأن الله امتحن قلوبهم للتقوى، أي: ابتلاها
واختبرها، فظهرت نتيجة ذلك، بأن صلحت قلوبهم للتقوى، ثم وعدهم المغفرة لذنوبهم،
المتضمنة لزوال الشر والمكروه، والأجر العظيم، الذي لا يعلم وصفه إلا الله تعالى،
وفي الأجر العظيم وجود المحبوب وفي هذا دليل على أن الله يمتحن القلوب بالأمر
والنهي والمحن، فمن لازم أمر الله، واتبع رضاه، وسارع إلى ذلك، وقدمه على هواه،
تمحض وتمحص للتقوى، وصار قلبه صالحًا لها ومن لم يكن كذلك، علم أنه لا يصلح
للتقوى"([3]).
والأدب مع الرسول صلى الله عليه وسلم يقتضي محبته، وطاعته، وتوقيره، وعدم التقديم
بين يديه، وخفض الصوت عنده، والتمسك بسنته، والإكثار من الصلاة عليه، وإكرام أهل
بيته، ومحبة أصحابه، وما إلى ذلك مما يجب تجاهه عليه الصلاة والسلام.
قال ابن القيم: ومن الأدب معه: أن لا
ترفع الأصوات فوق صوته فإنه سبب لحبوط الأعمال فما الظن برفع الآراء ونتائج
الأفكار على سنته وما جاء به أترى ذلك موجبا لقبول الأعمال ورفع الصوت فوق صوته
موجبا لحبوطها.([4])
وقال في كتاب آخر: "فإذا كان رفع
أصواتهم فوق صوته سببا لحبوط أعمالهم فكيف تقديم آرائهم وعقولهم وأذواقهم وسياستهم
ومعارفهم على ما جاء به ورفعها عليه أليس هذا أولى أن يكون محبطا لأعمالهم"
ومن الأدب معه: أن لا يجعل دعاءه
كدعاء غيره؛ قال تعالى: {لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ
الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا}[النور: 63]. وفيه
قولان للمفسرين أحدهما: أنكم لا تدعونه باسمه كما يدعو بعضكم بعضا بل قولوا: يا
رسول الله، يا نبي الله، فعلى هذا: المصدر مضاف إلى المفعول، أي دعاءكم الرسول.
الثاني: أن المعنى لا تجعلوا دعاءه
لكم بمنزلة دعاء بعضكم بعضا، إن شاء أجاب وإن شاء ترك، بل إذا دعاكم لم يكن لكم بد
من أجابته، ولم يسعكم التخلف عنها البتة، فعلى هذا: المصدر مضاف إلى الفاعل أي
دعاؤه إياكم.
ومن الأدب معه: أنهم إذا كانوا معه
على أمر جامع من خطبة أو جهاد أو رباط لم يذهب أحد منهم مذهبا في حاجته حتى
يستأذنه؛ كما قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ
الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ
جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ}[النور: 62]. فإذا كان هذا
مذهبا مقيدا بحاجة عارضة لم يوسع لهم فيه إلا بإذنه فكيف بمذهب مطلق في تفاصيل
الدين: أصوله وفروعه دقيقه وجليله هل يشرع الذهاب إليه بدون استئذانه: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}[النحل:
43].
ومن الأدب معه: أن لا يستشكل قوله بل
تستشكل الآراء لقوله ولا يعارض نصه بقياس بل تهدر الأقيسة وتلقى لنصوصه ولا يحرف
كلامه عن حقيقته لخيال يسميه أصحابه معقولا، نعم هو مجهول وعن الصواب معزول، ولا
يوقف قبول ما جاء به على موافقة أحد، فكل هذا من قلة الأدب معه وهو عين
الجرأة"[5]
إن هذا المقطع يمثل جزءاً من أخلاقيات المجتمع الفاضل الذي استقرت
أركانه ، وما عاد للمرجفين والمشككين الذين يفترون الكذب مجال في قبول أخبارهم
وإشاعاتهم ، إنه مجتمع قائم على القواعد الأخلاقية والمبادئ التي تضمن سلامته
وأمنه ، وأي تفريط في هذه المبادئ والأخلاق سيعرض المجتمع المسلم إلى الصراعات
والفتن ، مع تجاهل القيادة العامة لهذا المجتمع ، وهذا يؤدي إلى الكفر والفسوق
والعصيان ، فالراشدون هم الذين يهتدون بهذه الأخلاق إلى فضل الله ونعمه ، لأنه هو
الهادي لما فيه مصلحة العباد والبلاد ، والحكيم في أحكامه وأوامره ونواهيه التي
تمثل بمجموعها " التربية الأخلاقية للأمة الإسلامية ".
ولا شك أن هذه التربية الأخلاقية الفاضلة هي
التي لا تنساق وراء كل دعاية وإشاعة وتقوّل ، فكم من كلام يُقال ، ويترتب عليه
أفعال وتصرفات ، فإن بُحث عن أصل الكلام لا تجد له حقيقة ، وإنما هو كذب واختلاق ،
ولذا فإن ما بُني على الكذب فهو باطل يُلام صاحبه ويُذم ، وما بُني على الحقيقة
والصدق فهو حق لا يُذم صاحبه ، بل هو محمود ممدوح بأخلاقه وتصرفاته الحميدة ، وهذا
أمر بديهي لا يختلف عليه اثنان ، وبهذا تظهر العلاقة بين التربية الأخلاقية وبين
الإرشاد إلى التثبيت من مصدر الأخبار
ربط الآيات بالواقع :إن كثيراً من الأحداث المؤسفة التي تقع في
واقعنا المعاصر من قتل وسفك دماء وصراعات وفتن إنما هي بسبب الإشاعات والأكاذيب
التي يروجها المنافقون والمندسون في هذه الأمة لهدم بنائها وتقويض أركانها ، فما
أحوجنا إذن لمزيد من اليقظة والانتباه والحذر الشديد من أخبار الفسقة ، خاصة أننا
نعيش زماناً ، اختلطت فيه الموازين والمقاييس ، فقد تنخدع بظاهر إنسان فتأخذ
بكلامه ، وتبني عليه أحكاماً وأفعالاً ، ثم يتبين لك الخلل الكبير الذي وقعت فيه
بسبب هذا الإنسان الوديع في ظاهرة ، الثعلب في روغانه ، العقرب في لدغاتها.وما
أحوجنا كذلك إلى القيادة الحكيمة الراشدة التي تحرص على راحة الأمة وسعادتها ،
والتي يؤلمها عنت الأمة وشقاؤها بإتباع أخبار الفسّاق والمرجفين ، قيادة ربانية
تدعو الأمة إلى العزة والكرامة بالسير على منهاج الله تعالى قرآناً وسنة ، وتأخذ
بيد الأمة بعيداً عن الكفر والفسوق والعصيان ، مهتدية بهدي الله الذي يعلم ما يصلح
الأمة ، ويرتقي بها وبأخلاقها وقيمها ، إنها التربية الأخلاقية في ضوء هذه الآيات
من سورة الحجرات ([6])
الفصل الثالث : اخماد الخلاف والإصلاح بين المؤمنين.
لا يخلو مجتمع من خلاف قد ينشب بين أخوين أو فرقتين لسبب أو لآخر فإن
ترك الأمر على ما هو عليه من خلاف وصراع واقتتال فإن ذلك يؤدي قطعا إلى تمزق أواصر
هذا المجتمع ، ويضعف الرابطة بين أبناء الأمة المسلمة الواحدة ، وقد تسوء الأخلاق
، ويكثر الكلام والقيل والقال ، ويكثر الكذب والدعاية والإشاعة ، ويتسع الخرق على
الراقع ، وبالتالي لا يلتقي أحد على أحد ، ولا يتعاون أحد مع إحد ، ويصبح الجميع
عدواً للجميع ، وتُفقد الثقة بين الجميع ، وإن مجتمعاً هذا حاله لا يمكن أن تقوم
له قائمة ، وسوف يسعى الأعداء والمندسون إلى تغذية هذا الصراع والخلاف بين
المؤمنين ، وسيشعلون ناراً لا ينطفيء لهيبها ، فأين الأخلاق عندئذ ؟ وأين ذهبت
الألباب ؟ وأين أصحاب الحكمة والرأي السديد ؟ وأين المصلحون ؟ وأين القوة التي
تفرض فض النزاع والاحتكام إلى شرع الله ودينه ؟ وإنصاف المظلوم من ظالمه ؟ وإيقاف
الظالم عند حده ؟ فلا يتجاوزه إلى افتراء وعدوان ، لذلك جاءت الأوامر الإلهية
السديدة لتعالج هذا الخلل الطارئ ، وتضع منهجاً قويماً لإنهاء الفتنة وإخمادها قبل
أن يستفحل أمرها ويزداد خطرها ، مع تحري العدل والتقوى في الحكم بين المؤمنين ،
فذلك أدعى إلى رحمه الله وعفوه ومغفرته وأقوم لمجتمع فاضل يقوم على الخير والفضيلة
والخلق الحسن في معاملاته وتصرفاته وحركاته وسكناته ، لتتكامل بذلك أخلاق المجتمع
الإسلامي ، وهكذا تكون التربية الأخلاقية للأمة الإسلامية.[7]
ربط الآيات بالواقع :إن واقعنا اليوم مليء بالخلافات والصراعات
والنزاعات التي تؤدي في الغالب إلى الاقتتال وسفك الدماء بدون خوفٍ ولا وجل ، إنها
جرأة على الله في سفك دماء المسلمين ، وزهق أرواحهم بسبب أو بدون سبب ، إن دل ذلك
فإنما يدل على ضعف في الإيمان والخلق الحسن ، حيث تأثر الناس بعادات الغرب
وتقاليدهم وأعرافهم ، مما أضعف صلتهم بالله تعالى ، فجهلوا دينه ، وتجرأوا على
أحكامه ، وسعوا إلى انتهاك حرماته ، وتحزبوا بذلك مع الشيطان ، وسعوا في الأرض
بالفساد وإهلاك الحرث والنسل ، واستبدلوا طاعة الشيطان بطاعة الرحمن ، وأصبح الناس
يأتمرون بأمر سفهائهم فأضلوهم عن سبيل الله ، واشتروا الضلالة بالهدى فانحرفوا عن
دين الله ، كل يوم نسمع أن اقتتالا وقع في مكان كذا ، بين أخوة أو جيران أو أقرباء
بسبب أطفال أو نساء أو هما معا ، فيقع فيها الكبار ، ويطمع الأعداء في إشعال نار الفتنة
ودعمها ، وقد يوفر للأطراف المتنازعة كل ما يحتاجون من سلاح وغيره حتى يقتل بعضهم
بعضا ، ويخرج كل منهم عن دينه كافرا مرتداً ، ولا يعالج ذلك الخطر الكبير ، إلا
أخلاق إيمانية تتعالى بأصحابها عن سفاسف الأمور وصغائرها إلى السمو والعلو
والفضيلة وحسن الخلق ، ورجال يهرعون ، حيث يوجد الخلاف ليصرفوا أسبابه ويطفئوا
ناره ، ويستبدلوا الاقتتال محبة ووئاماً وسلاماً ، لترتقي الأمة بذلك إلى التربية
الأخلاقية في ضوء هذه الآيات من
-
المبادي الاجتماعية المستفادة من الاية
1- إصلاح ذات البين: ورد
في القرآن الكريم العديد من الآيات التي تدعو المسلمين وتأمرهم بالإجماع والتآلف،
وتنهى عن التفرُّق والاختلاف المؤدّيين إلى التنازع والفشل
2- الانتصار للمظلوم (إحقاق الحقّ لا فضّ
النزاع):
الانتصار للمظلوم حتى ينال حقّه وهذا خلق إذا نما فى
الأمة علّمها العزّة ورفع عنها الذلة وزادها ارتباطاً وحباً وأخوّة وقرباً.
3- وجوب التصدّي للعدوان: إنّ
الحفاظ على وحدة المجتمع الإسلامي وتماسكه هي من أهمّ الوظائف التي دعت إليها
السورة المباركة
الفصل الرابع : جملة آداب وأخلاق. ([8])
" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا
نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا
أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ
الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ
إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ
أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ
اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ * يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن
ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ
أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ " (42
هذا المقطع يتضمن المنهيات التي لا تتناسب مع أخلاق المجتمع المسلم ،
ولذلك يجب تركها والابتعاد عنها ، لترتقي أخلاقيات الأمة المسلمة في المجتمع
المسلم ، لذلك جاء النهي عن سخرية الرجال من الرجال ، والنساء من النساء ، وبين
العلة في هذا النهي ، ونهي عن اللمز وهو ذكر عيوب الناس وإشاعتها ، ونهي عن
التنابز بالألقاب ، وسجّل الظلم على غير التائبين من هذه الأخلاق الجاهلية ، ونهي
عن ظن السوء بأهل الخير ، لأن ذلك إثم وحرام ، ونهي عن التجسس والغيبة ، وشبه من
يفعل ذلك بمن يأكل لحم أخيه ميتا ، وهذا مدعاة إلى الكراهية ، ثم دعا إلى تقوى
الله والتوبة من هذه الأخلاق الذميمة البغيضة إلى الله تعالى ، ثم بين تعالى الأصل
الواحد لكل البشر ، فهم جميعاً من أب واحد وأم واحدة ، فلا فضل لأحدٍ على أحدٍ إلا
بالتقوى والبعد عن المنهيات ، والالتزام بالأخلاق الفاضلة ، وترك غيرها مما يتعارض
مع أخلاق المجتمع الإسلامي ، وهكذا تكون " التربية الأخلاقية للأمة الإسلامية
".[9]
ربط الآيات بالواقع :
إن واقع المسلمين اليوم على مستوى الأفراد والجماعات في أمس الحاجة
لهذه الآداب والأخلاق ، لأنهم إلا من رحم الله واقعون في هذه المنهيات ، يمارسونها
على أنها أمر طبيعي ومألوف ، فالسخرية والاستهزاء واللمز والتنابز ، كل ذلك له
رصيد في واقعنا اليوم ، ولا يجد الناس من يذكّرهم بالله تعالى ويشعرهم بخطئهم في
مخالفة أوامر الله والوقوع في حرمات المسلمين ، أضف لذلك سوء الظن بدون تمييز بين
صالح وطالح ، بين مؤمن ومنافق فاسق ، وكذا التجسس على عيوب الناس والغيبة ، كل ذلك
أصبح مرضاً مزمناً يحتاج إلى علاج مكثف ومتواصل وفاعل ، إضافة إلى التفاخر
بالأحساب والأنساب ، والتعالى بالغنى والثراء دون اعتبار لميزان الله الذي جعله
مقياس التمايز والتفاضل بين الناس ، هذا هو حال أغلب المجتمعات المعاصرة ، تعاني
انحرافات أخلاقية سلوكية تؤدي بالمجتمع إلى الانحطاط والتمزق والفرقة والضعف
والهوان ، ولا خلاص من ذلك إلا بالعود إلى كتاب الله لنأتمر بأمره ، وننتهي بنهيه
، ونتخلق بأخلاقه لنرتقي بذلك إلى التربية الأخلاقية في ضوء هذه الآيات من سورة
الحجرات.
الفصل الخامس : حقيقة الإيمان بالله تعالى
" قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن
قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِن
تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ
اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ
وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ
فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ * قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ
بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ
وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ * يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لَّا
تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُم بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ
لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ
هذا المقطع يثبت لنا أن التظاهر بأخلاق المؤمنين ، وادعاء ذلك كذباً
مدعاة إلى انكشاف الأمر وافتضاحه أمام الخلق ، سواء أكان ذلك بوحي السماء أم بقدر
الله وسنته التي لا تتخلف ، ومع ذل ك فباب التوبة مفتوح ، فالعود إلى الله بصدق في
الإيمان والالتزام والأخلاق مدعاة إلى عدم نقصان الأجور ، ثم بين تعالى أخلاق
المؤمنين الصادقين بأنهم آمنوا حقيقة ، ولم يتشككوا في هذا الإيمان ، ثم جاهدوا
بالمال والنفس في سبيل صدقهم وإيمانهم ، فالله هو المطلع على صدق الصادقين ، وكذب
الكاذبين ، وليس من أخلاق المؤمنين أن يمّنوا بإسلامهم ، لأن المنّة لله الهادي
للإيمان الصادق ، الذي يريده الله للمؤمنين أن يتخلقوا به ، فهو الذي يعلم ما خفي
وما غب ، وهو بصير بكل الأعمال ويكافئ على ذلك ،
وهذا مدعاة لأن يرتبط المسلمون جميعاً بالصدق مع أخلاق المجتمع الإسلامي ،
وبهذا تكون " التربية الأخلاقية للأمة الإسلامية ".
هذه التربية التي لا تستغني أبداً عن توجيهات خاصة بالإيمان الحقيقي
الصادق ، لتصدر هذه التربية عن عقيدة إيمانية ، وليس عن كذب وخداع وغش ومراوغة ،
إنها أخلاق بُنيت على تقوى من الله ورضوان ، قال تعالى : " أَفَمَنْ أَسَّسَ
بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ
بُنْيَانَهُ عَلَىَ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ
وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ " (62).
وقد امتدح الله نبيه (r)
بما كان عليه من خُلق عظيم نابع من إيمان ويقين ، قال تعالى : " وَإِنَّكَ
لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ " (63). (10)
ربط الآيات بالواقع :ما أكثر المنافقين اليوم ، الذين انتسبوا
للإسلام تظاهراً وكذباً وخداعاً[10]بهدف
إظهار صلاحهم وصدق أخلاقهم ، وهم في الحقيقة والواقع أعداء هذا الدين بكل ما فيه
من قيم ومبادئ وأخلاق ، إنهم مرضى القلوب ، وصدق الله القائل : " لَئِن لَّمْ
يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي
الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا
قَلِيلًا * مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا *
سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ
تَبْدِيلًا " (64).هؤلاء أصحاب مصالح ومنافع ، فإن حققوا مرادهم رجّحوا البقاء مع
المسلمين ، وإن لم يحققوا غايتهم انقلبوا على أعقابهم خاسرين ، وصدق الله القائل :
" وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ
خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ
خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ " (65).
إن التكليف هو الذي يكشف الزيف ويظهر الحقيقة ، فالجهاد بالمال
والنفس في سبيل دين الله هو قمة الصدق ، وقمة التخلق بأخلاق هذا الدين ، وذروة
سنامة.
وما يفعله الضعفاء والمندسون بالمن على الله ورسوله والمؤمنين
بإسلامهم إنما هو من باب ذر الرماد في العيون ، والتغطية على حقيقة انتسابهم
للإيمان المزعوم ، إنهم يظنون أن الله غافل عنهم ، لا يراهم ولا يعلم ما تكنه
صدورهم من غدر وعداء ، ومكر ودهاء ، قال تعالى من وصفهم : " ... يُرْضُونَكُم
بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ " (66).
هذه هي حقيقة أخلاقهم التي لا يرضاها الله للمؤمنين الصادقين ، وإنما
يرضى لعباده تربية أخلاقية صادقة تلامس قلباً مؤمناً صادقاً مخلصاً لله تعالى ،
وهكذا تكون التربية الأخلاقية في ضوء هذه الآيات من سورة الحجرات..
( الخاتمة )
- ظهر لنا المعنى العام الذي تدور حوله آيات السورة من خلال مقاطعها
مما أبرز جملة الأخلاق والآداب التي دعت إليها السورة ، سواء أكان ذلك الأدب مع
الله ورسوله (r) كما بيّن ذلك الفصل الأول ، أم كان ذلك من خلال التثبت من الأخبار
وطاعة القيادة كما بيّن ذلك االفصل الثاني ، أم كان ذلك من خلال فض الخلاف
والإصلاح بين المؤمنين كما بيّن ذلك االفصل الثالث ، أم كان ذلك من خلال جملة
الآداب والأخلاق كما بيّن ذلك الفصل الرابع ، أم كان ذلك من خلال حقيقة الإيمان
بالله تعالى كما بيّن ذلك الفصل الخامس ، وكل ذلك يصب وبشكلٍ واضحٍ وصريحٍ في
التربية الأخلاقية للأمة الإسلامية.
- انكشف لنا من خلال ربط آيات المقاطع بالواقع المعاصر كيف أسهمت آيات
السورة في علاج قضايا أخلاقية نهت عنها ، وكيف تُسهم في بناء مجتمع أخلاقي فاضل ،
يتربى تربية أخلاقية في ضوء الآيات من سورة الحجرات.
-
حقق هذا البحث مثالاً تطبيقياً للون من
ألوان نظرية التفسير الموضوعي ، وذلك من خلال سورة قرآنية
واخيرا قد عقلت الناقة وبذلت الطاقة وحاولت ان
ابلغ القصد ادعو الله عزوجل ان يبارك هذا لجهد
واخر دعوانا ان الحمد لله رب العالميين
المراجع
ا- لجامع لأحكام القرآن - لأبي
عبد الله محمد القرطبي
2-
في ظلال القرآن – سيد قطب
3-
محاسن التأويل المؤلف: محمد جمال الدين بن محمد الحلاق القاسمي
4-
لتربية
الأخلاقية في ضوء سورة الحجرات. التربية
الأخلاقية. في ... عبدالسلام
حمدان عودة اللوح
5-
تفسير المنير في العقيدة والشريعة والمنهج _وهبه الرحيلي _26_ص237
الطبعة الاولى_دار الفكر المعاصر
6-
مدارج
السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين (2/390
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق